دمـعـة منتـكس
مشعل العتيبي
إمام جامع ابن القيم بالجبيل
اشتقت إلى صاحبى يوما فبحثت عنه حيث كنت أجده فلم أجده تنقلت بين مجالس الأخيار فلم يكن بينهم
سألت عنه في حلقات القرآن فلم يكن معهم ..ذهبت إلى منزله فلم يخرج إلي.. أرسلت إليه فلم يأتي ..ناديته فصد عنى ..
أتصلت به فانصرف منى ..
فأكثر من الأعتذار مختلقا الواهى من الأعذار
حتى صادفته يوما فاقتربت منه وأنا أتأمل فيه فلا أظنه هو فأوقفته ..تصدد عنى فأمسكت به فطأطأ رأسه وبدأت دموعه تتساقط .. فتعجبت وقلت لما هذه الدموع وما سرها ...
أحقا هذه هي دمعتك ...نعم إنها دمعتك
تخاطبك وتناديك وتعاتبك ..وتعاتبك :
(أفمن يمشى مكبا على وجهه أهدى أما يمشى سويا على صراط مستقيم )
لقد حدثونى..نعم ..لقد ساءني مخبر ..وقال رفيقك لم يعد
كما تظن .. لكننى لم أصدق حتى رأيتك بعينى
رأيتك ففوجئت بذلك التغيير .. فيا الله ياله من تغيير
أقولها بكل أسى ..نعم بكل أسى
فأنتم لا تعلمون ..لاتعلمون حجم مصيبتى وحزنى وألمى
كيف لا..وأنتم لاتعرفونه كما عرفته
وقد كان يعيشُ في جنةِ الاستقامةِ، يتفيؤُ ظلالَ الإيمان، ويشربُ من رحيقِ القرآن ،كان معنا وبيننا لايفارق مجالس الصالحين ينهلُ من خيرِهم ويستأنس بمجالسهم
كم حدثتنى دوما بانشراحِ صدرِك،
والآن تسلكُ طريقاً مظلماً موحشاً،
لاتدري هل تعودُ منهُ سالماً، أو تتيه في دروبهِ
فتلقى الله ظالماً آثماً .
أنت .. أنت يامن كنت شعلة في مسجدك ، ألم تكن مرتادا للحلقات،
ألم تكن مسابقا إلى الخيرات .أين تلك الركعات والسجدات ؟
أين ذلك الوقار والهيبة ؟ أين الاتزان والالتزام ؟
أين ذهب ذلك كله ؟
والله لقد كانت هيئتُك تسُرُّ الأنظار ووجهكُ تزينهِ لحيتك وتزيدهُ نوراً وإجلال .
لماذا كل هذا .. ما الذى حدث يا أخى ..
هل تغير الحال ..أصدقنى هل تغير الحال ؟
أخبرنى كما كنت تخبرنى عن كل شىء.
أصحيح ما بلغنى عنك ؟
أوحقا أنك هجرت مجالس الأخيار ..
أهكذا يتغير مظهرك فجأة حتى زال من الوجه الضياء
فخُففتِ لحيتك إلى الزوال ،والثوبُ طال ،
ماذا يعنى هذا ؟؟أليس ذلك إعلاناً منك بتغيرِ الحال .
أليس تغيرِ الظاهرِ نذيرٌ بخرابِ الباطن،
أليس هذا علامة لقسوة القلب حتى هجرَت كتابَ الله ،
ولن أسألك عن الصلوات .. لن أسألك عن الصلوات
وكأنك لم تبكى يوما على فوات تكبيرة الإحرام
للأسف لقد قالوا وليتهم ما قالوا
أنك استحللت ما كان حراماً من نظرٍ للقنوات،واستماعٍ للمُحرمات، وسهرٍ في الاستراحاتِ على تضييع الأوقات ....
فيالها من ساعة رهيبة، ولحظة أسيفة ...
ويا حسرتاه ..أتستبدل حياةَ السعداء بحياة الأشقياء ،
أتتركَ حياةَ النعيمِ والاستقرارِ مع الصالحينَ والأخيار، لتقترنَ بالعارِ مع الطالحينَ والأشرار .
ألم تكن حريصاً على الطاعات، مسابقاً ومُسارعاً إلى العبادات،
ألم تكن مواظباً على الحلقاتِ ، بل أكثرنا حرصا على الدروسِ والمحاضرات،
ألم تكن أكثرنا نشاطاً وحماساً، ووقتك يمضى دعوةً وجهاداً، أنسيت ذلك اليوم وقد دمعت عينك عندما أخبروك عن عدم قبولك فى جامعة الإمام
أنسيت عندما تمعر وجهك وأنت تسمع عن الأسواق
وليس فيها من ينكر المنكرات
ياسبحان الله ألم تكن أنت دليلنا في الكثير من أعمال الخير
أنسيت أنك أنت .. نعم أنت أكثرنا حفظا للمتون والقرآن
مالذى حدث ؟ أحقا هذا هو أنت ؟
يامن كنت حريصا على صيام أيام البيض ..والاثنين والخميس
بل والجلوس بعد صلاة الفجر فى المسجد ؟
من الذى كان يتفقد أحوال الجيران مع الإمام والمؤذن
فينصح هذا .. ويوجهه هذا .. ويعين ذاك ..
من الذى كلما اجتمعنا عند أحد الإخوة وبدأنا نقرأ فى سيرة الإمام ابن باز بدأت دموعه تتساقط ؟من ؟
من الذى كان يحثنا على قيام الليل ؟
أنسيت عندما كنا نقرأ سويا حديث النبى عليه الصلاة والسلام
{نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل} فأثنى عليه بقوله:نعم الرجل {لو كان يقوم من الليل}
أتذكر مالذى قلته عندما قرأنا هذا الحديث
أتريد أن أذكرك ؟ ألم تقل وفى ذلك فليتنافس المتنافسون
ألم تقرأ علينا قول الله
{ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّل * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلا * نِصْفَهُ أو انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً *
أو زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً
بل وتردد إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } إن لهذه الآيات معنى
فبدأنا نبحث جميعا فى أمهات الكتب ..حتى قفزت من بيننا فرحا وقلت وجدت المعنى وجدت المعنى ..
وأنت تردد إنها الثبببببببات ..إنها الثبببببات
ودموعك تنهمر وأنت تقول لن يصبر على القول الثقيل
ولن يثبت على الإستقامة إلا من كان له مع الله تعالى عبادة، وقربى،فبدأت توصينا ..الله الله بقيام الليل ..
الله الله بقيام الليل ..أنت الذى كنت تقولها ..
الله الله بقيام الليل..فكيف أنت الأن مع قيام الليل...
كيف أنت ؟
يامن كنت تسبقنا لكل خير.. لماذا كل هذا ؟
فما بدأنا بعمل حتى كنت أنت قد سبقتنا أليه
يا من كنت كلما ضعفت هممنا ذكرتنا بحديث نبينا عليه الصلاة والسلام وهو جالس مع أصحابه فيسألهم
من أصبح منكم اليوم صائما؟فيقول أبو بكر رضي الله عنه :أنا قال :فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟فيقول أبو بكر :أنا .
قال:فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟فيقول أبو بكر رضي الله عنه:أنا.
قال :فمن عاد منكم اليوم مريضا ؟فيقول أبو بكر:أنا .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ما اجتمعن في امرئ، إلا دخل الجنة . إلا دخل الجنة
ألم تصرخ فى وجوهنا ذلك اليوم وتقول أين أنتم عن أبو بكر
ألم تصرخ فى وجوهنا وأنت تردد أين أنتم عن هؤلاء
أين أنتم عن سير الصالحين وتقرأ علينا سيرهم وتردد
أين أنتم عن الإمام الشافعى وقد حفظ القرأن وهو ابن سبع سنين
أين أنتم عن ابن الجوزى الذى تاب على يديه الآلاف
وأسلم على يديه المئات .. تقرأ ذلك وأنت تردد
ألا يكفى هؤلاء .. ألا يكفى هؤلاء ...
ألم يكن من همومك أن لايتخلف عن صلاة الفجر أحد من أهل الحى بل وكنت تسعى وتفكر دوما بكل وسيلة تعين على ذلك فأين أنت الأن ..أين أنت
أسألك بالله العظيم أين أنت يا أخى عن صلاة الفجر ؟
من الذى يذكرنا بالنوافل والسنن ؟ من ؟
من الذى جاءنا يجهر بالتكبير والتهليل فى العشر من ذى الحجة الماضى ويقول هيا ..
هيا دعونا ننشر هذه السنة فى الأسواق والطرقات..من؟ أليس أنت
أنسيت ذلك اليوم وأنت ترى أخانا أبا معاذ وقد تساهل
في النظر إلى النساء ؟
أنسيت كيف زجرته ووبخته ؟ ألم تخاصمه وتهجره لأيام؟
حتى قلت لك هذا كثير عليه فإنه يحبك ؟
فقلت لى دعه يتربى ؟إنك والله قدوتنا فماذا جرى ؟
أنت قدوتنا فأخبرنى ماذا جرى ؟ ماذا جرى ؟
ألاتذكر ذلك اليوم عندما طرقت على الباب ومعك العمالة المسلمة وتنادينى مسرعا هيا..هيا يا أبا بندر ..وأنت تردد
حديث نبينا عليه الصلاة والسلام
"أبغوني ضعفائكم ,فإنما ترزقون و تنصرون بضعفائكم"
فمن لهؤلاء من لهؤلاء ؟ أنسيتهم ؟ والله لقد افتقدوك ..
من الذى كان يرفع هممنا و يرتل دوما على أسماعنا
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ }
من ؟ من الذى كان يقرأ ذلك دوما على أسماعنا
أليس أنت ؟ من الذى كان يتضايق من تقاعسنا وتكاسلنا
فى بعض أنشطة الدعوة ويصرخ فى وجوهنا
{ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ }
أين أنت ؟ أين أنت عن هذه الأيات وأنت الذى كنت تذكرنا بها ؟ أنت الذى كنت تذكرنا بها
فيا الله من أين نأتى بهمة كهمتك.. من أين
كل هذا .. ولاتريدنى أن أتضايق وأحزن
أسألك بالله هل أنت راض عن نفسك.. أتسمعنى
قف .....قف وفكر .. فكر وتأمل فى حالك
هل أنت راض عما أنت عليه الأن ؟
هل وجدت السعادة فى طريقك الجديد
هل وجدتها ؟ أسألك بالله العظيم هل وجدتها ؟
أين وجدتها ؟ بالبعد عن الله.. بتضييع الأوقات ..
بالتساهل فى المحرمات ..بترك الصلوات
تساهلت فى الصلوات وأنت الذى كنت تصلى بنا فى رمضان
فكم تزاحم المصلين من أجل حسن صوتك وقراءتك
يارفيق الصبا أنسيت عهدا مضى
أنسيت القرأن ..أنسيت البقرة وآل عمران
أنسيت النور والأنفال .. أنسيت التوبة ؟ أنسيت التوبة
كل زاوية فى المسجد تشهد لك ؟بل كل أرجاء المسجد تناديك
أنسيت تلك الكلمة التى ألقيتها بنفسك فى الجامع الكبير
وقد كنت تردد محذرا أن تارك الصلاة لايؤاكل ولايشارب ولايجالس ولايؤتمن ولايغسل إذا مات ولايقبر فى مقابر المسلمين
أنسيت تلك الكلمات التى خرجت من قلبك لقلوب المصلين ؟
فأين أنت الأن يا صاحبى ؟ وأين كلماتك ؟
أين محبتك لنا ؟وأنت الذى كنت تذكرنا بل وترتل على أسماعنا
{ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلا المتقين }
بل وتبكى وعندما اقتربت منك ضممتني إليك وقلت
اللهم اجعلنا من المتقين .. فيا أخى ..
إننا نعلم والله أنك تحبنا وتحب مجالستنا ..
بل كم كنت تسألنى عن الإخوة والأحباب واحدا واحدا ..
وأعلم بل أنا والله على يقين أن محبتك لهم لازالت
ودليلها هو ما فى قلوبنا لك ..
أتريد أن أحدثك عنهم ؟ أما اشتقت إليهم
أتريد أن أبشرك عنهم ؟ اسمع أخبارهم ..
أخونا على أبومعاذ أصبح إماما فى مسجد
أما عبد العزيز فأبشرك أنه يعد لزواجه هذه الأيام
وقد جمعنا له مبلغا وسنعطيه إياه .. وهو يردد أنك
ستحضر زواجه مهما كانت الظروف ...
يردد إنك ستحضر زواجه فهل ستحضر ؟ بالله عليك ماذا أقول له ؟
أما أخونا خالد
(خالد الذى كنت تقول عنه خالد رفيق الدرب إذا قل الرفيق )
أتدرى مالذى حدث له ؟
الإخوة جميعا يعتبون عليك حيث لم تحضر لمواساته بعد الحادث الذى تعرض له
خالد أصبح مقعدا فى البيت .. أصبح مقعدا فى البيت
خالد الذى يحبك كثيرا ..فوالله كلما ذهب إليه الإخوة
كان يسألهم عنك ..والله لازال يسألهم عنك ..
فعد حتى لو من أجل زيارته ..
بل حتى صاحبنا عبدالله أبوحمزة أعلمت أنه انتهى من حفظ القرآن وبدأ الأن بحفظ الصحاح .. نعم أبا حمزة .. أبا حمزة الذى كان يأتينا من الحى المقابل لتصحح له بعض الأحاديث
أنسيت تلك الليلة عندما قرأ عليك حديث النبى عليه الصلاة والسلام
{إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها!
حتى رأيناك جميعا تبكى وتسأل الله الثبات..
فأبكيتنا جميعا معك ....
فبالله عليك أين أنت ؟ أين أنت عنا ؟ أين أنت عن صحبتنا ؟
ألم يخالط الإيمان بشاشة قلبك ...أما ذقت طعمه ..
أما تلذذت بحلاوته أما أنست به
فوالله ما أظن أن أيمانك كان تظاهراً، وتصنعاً، وتكلفاً،.فكيف استسلمت للشيطان .. يا رفيق الصبا ..أين عهد مضى
الا تتذكر .. تذكر كيف كنت مع ربك الذى أحببته وأحبك والذى هداك وعلى طاعته أعانك
أليس هو الذى لقيام الليل أقامك وأوقفك
أليس هو لتلاوة كتابه وفقك ؟أليس هو الله ؟أإله مع الله
فلم هجرته ؟ لم نسيته وبعته ؟
يا أخى ألم تكن من القابضين على الجمر
أنسيت قول النبي يأتى زمان على الناس القابض على دينه كالقابض على جمر ) فلم ؟ لم ألقيت بالجمر ؟
لاأصدق والله .. لاأصدق
بل لم أكن أتوقع يوما أنك ستصل إلى هذا الطريق
كنت أخاف على نفسى أكثر منك
بل أنت من كان يثبتنى .. فكيف أنساك يا أخى
بل ماذا أقول للإخوة والإحبه ؟ ماذا أقول لهم ؟
أترضى أن أقول لهم أنك ..أنك ماعدت تريد مجالستنا ورؤيتنا ؟
ماذا أقول لهم بالله عليك .. بل كيف أقولها أنك أنت
أنت انتكست ؟ أن صاحبنا سقط ؟
أليست هذه هى الضلالةُ بعد الهدى، والحورُ بعد الكور،
نعم هذه هى الانتكاسةُ والسقوطُ ..
إنها الانتكاسةُ والسقوطُ ياصاحبى
قد كان لي فيك آيات وموعظةٌ *** تزفُّ وبل الرضا بردا على كبدي
وكنتَ عند حدود الله ذا وجلٍ *** فما لك اليوم لاتلوي على أحدِ
أين التلاوة والعبرات مسبلةٌ *** أين الأحاديث ذات المتن والسند ؟!
أين العلوم التي أسدتك رونقها *** وذقت ما ذقته من عيشها الرَّغِدِ ؟!
ما لي أراك كسيف الطرف منهزما *** وكنتَ بالأمس ترياقا لكلِّ صدي
ماذا أُسطرُ والآياتُ بيّنةٌ ؟! *** وأنت تعلم ما يلتاع في خلدي
لكن تناجيك أشجاني ..ومعذرتي *** أنّي محبٌ رماه الحزنُ بالفندِ
لمّاسقطتَ أمامي وانجلى بصري *** عزّيتُ نفسي وثار الخوف في أودي
واحلولكت كلمات البشر في شفتي *** وأظلم الكون في عيني على عَمَدِ
أأنت من يشتري الدنيا بباقيةٍ؟ *** ويصطفي الزيف والبهتان بالرشدِ ؟!
قد كنتَ بالأمس في درب التقى علما فلا تك اليوم تمثالا لكلِ ردي ..
Mn